سعید أبراهیم / مصر

01/02/2013 07:53

"الدنيا كوميديا لمن يفكر فيها، وتراجيديا لمن يشعر بها" هوراس

في رواية "مريم .. امرأة من زمن آخر" التي ألفها الروائي الكردي صبري سليفاني، نجد المعاناة التي تعانيها أغلب النساء سواء في كردستان أو في مصر أو في فلسطين أو في أي بلدٍ تطفح فيه مظاهر التخلف، وتتلخص في أن يُنظر إلى المرأة باعتبارها كائن خلق لإرضاء شهوات الرجل، والرجل في الأدبيات الاجتماعية هو رمز للقهر والتسلط والعنف و"سي السيد"، أما الإنسان في أدبيات التحرر فهو رمز للحرية التي قبل أن يمنحها لنفسه يمنحها للآخرين. صدرت الرواية عن سلسلة آفاق عالمية الشهرية التابعة لهيئة قصور الثقافة المصرية. السلسلة تختص بترجمة الكتب الاجنبية في الأدب والنقد والفكر إلى اللغة العربية.    

الرواية تدور أحداثها في فترة الثمانينات، في أتون الحرب العراقية الإيرنية، التي وصفها أحد المحللين بـ"أنها معركة عنصرية بين المسلمين والفرس أو بين المسلمين والكفار"،  والسبب كان يكمن في محاولات صدام حسين المستميتة لإنهاء الاحتلال الإيراني لجزر طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى في الخليج عند مدخل مضيق هرمز. كانت "مريم" ما تزال في الثالثة عشر من عمرها، تموت أمها ويتزوج أبوها من امرأة مُلعب تدعى "منجول"، وبعد فترة من زواجه من الثانية يُقتل في الحرب، وتعيش "مريم" مع "منجول"، فترة من الزمن، وبسبب علاقات الأخيرة المحرمة مع رجال الحي خصوصاً "محمد مَيريَ"، تغتصب مريم ولم تزل صبية، ثم تُجهض في إحدى المستشفيات. في انتفاضة 1991 الداعية لإسقاط النظام كانت مريم قد نضجت وأعجبت بأحد البيشمركة الشباب حين تعرفت على نضاله، لكنها تكتشف أنه ليس مناضلاً حقا؛ فتتركه، ثم تعرفت على أحد الشيوعيين، لكنها انفصلت عنه عندما قال لها عبر الهاتف وذروة الشهوة قد بلغت بها مبلغاً عظيماً : "أنتِ تريدين أن أطأكِ من أمام؛ كي أتورط فيكِ، وفي النهاية تبقين لي" وكان هذا كلاماً غريباً من شيوعي، ثم تعرفت على شخصٍ ملتزم دينياً وبعد أن فشل في أن يجعلها ترتدي الحجاب وتصوم وتصلي، فشل مرة أخرى في أن يكون مؤمناً حقا. بعد سلسلة من الفشل العاطفي قررت مريم الهجرة، وفي بورصة دهوك ـ بلدة كردية ـ التي كان يباع من خلالها جوزات السفر المهربة عبر بغداد والموصل لمن يريدون السفر إلى الخارج عبر تركيا، كان لازماً عليها أن تقدم صور شخصية لتنهي إجراءات شراء جواز سفر جديد، وبينما هي كذلك تعرفت على مصور يدعى "كرمانج"، أحبته وأحبها، لكنه وبعد أن ظنت أن الدنيا تبتسم لها بعد طول عبوس صارحها كرمانج بأنه مصاب في إحدى المعارك بطلقة بين فخذيه أفقدته رجولته! 

مريم خدعت عندما أحبت البيشمركي ثم الشيوعي ثم الإسلامي، لأنها لم تجد فيهم شيئاً مما يؤمنون به، فالبيشمركي ـ وهي تعني حرفياً الذي يفدي وطنه بالروح والدم ـ ليس مناضلاً، ومن تُراهُ الآن يناضل من أجل وطنه، أنا عن نفسي عندما قدمت أوراقي للالتحاق بالخدمة العسكرية، التي قضيت فيها ثلاث سنوات، لم يكن في بالي أنني أريد بذلك خدمة الوطن، على الرغم من تلك اللافتات التي تطاردك في المعسكرات بأن العسكرية شرف لا يناله إلا الرجال، بل ما جاء في بالي وقتها أنني أريد أن أرفع عن كاهلي ذلك العبء كي أتحرر وأستطيع السفر، وكي لا أخشى كميناً على بوابة إحدى المحافظات، وأكاد أجزم بأن كل الجنود الذين قابلتهم كانوا يلعنون الوطن صباح مساء سراً وعلانية حتى كاتب هذه الرواية ـ صبري سيلفاني ـ ترك وطنه ويعيش الآن في هولندا منذ 1993.

والمتمذهب بالاشتراكية أو الليبرالية، أو الديمقراطية تجده على استعداد أن يتخلى عن مبادئه مقابل مصالحه أو أن يقضي على مصالح خصومه، انظر جيداً إلى جبهة الإنقاذ الوطني ستجد عمرو موسى والبرادعي جنباً إلى جنب مع حمدين صباحي الناصري، لقد جمعهم هدفٌ واحد : هو القضاء على مصالح الإخوان وستفرقهم مصلحة كل منهم. هناك نموذج آخر لمن يتنصل من مبادئه : ممثلة على الهواء تقول أنها لن تحرج زوجها السياسي ـ الليبرالي ـ بمشاهد محرجة. هي في الحقيقة لا تريد أن تحرجه ولكنها خضعت لذكورية زوجها المدعي بأنه ليبرالي متفتح .. مع علمه بأن المشاهد المحرجة هي من صميم العمل السينمائي لكن المصالح الشخصية والتنصل من المباديء عند الزوج أخرجا من فم زوجته الممثلة هذا التصريح.   

التدين الزائف عند بعض الإسلاميين أيضاً أورد الدعوة إلى الله موارد التهلكة، فكثير من الدعاة الذين لا أقول أنهم اتجهوا، بل أقول وقعوا في بركة السياسة الآسنة، تركوا الدعوة وشغلتهم مصالحهم أو مصالح الأحزاب التي ينتمون لها، لدرجة أن أحد أعضاء الدعوة السلفية طالب السلفيين بالابتعاد عن السياسة والعودة إلى الدعوة. وبدأت الجماهير تتساءل : ألم يحرموا السياسة؟ ألم يحرموا الديمقراطية؟ ألم يقولوا أن الدستور كفر؟. رواية "مريم .. امرأة من زمن آخر" هي مرآة تكشف كل الكاذبين وتجعلك تسأل نفسك : من أنت من الثلاثة، أم أنك لست واحدٌ منهم؟. 

Sabri Silevani
Iraq- Kurdistan - Duhok
009647504177409
Facebook: Sabri Silevani