عمر أبو النصر/ مصر

06/02/2013 01:12

مريم .. أنثى من الشرق
عمر أبو النصر/ مصر

مريم .. امرأة من زمن آخر ؛ رواية للكاتب الكردى صبرى سليفانى تُرجمت مؤخراً إلى العربية عبر مُخيلة المترجم الرائع سامى الحاج ضمن إصدارات الهيئة العامة لقصور الثقافة . والترجمة بحد ذاتها تحمل إبداعاً من نوع آخر ، حيث استطاع سامى الحاج أن يعيش داخل روح المؤلف ، ويتجول بين ثنايا اللغتين العربية والكردية ويلقى بظلال كل منهما على الأخرى ، حتى لتكاد تُجزم أن الكاتب هو المترجم ، وهو شعور لا ينقله إلا المترجمين الأذكياء المتمكنين .

وعن الأحداث ، فالرواية تدور حول الشرق فى صورته التى نعرفها ونكتمها ، عن الإغتصاب المعنوى للأنثى ، عن الرذيلة وارتباطها بالوطن ، والوطن وعلاقته بالتركيبة النفسية للأفراد ، عن ما فعلته بنا الليالى المشرقية ، عن "مريم" التى تسرد لصديقتها العائدة من الغرب "نارين" ما حدث وما يحدث فى الوطن ، ورغم أن الإطار الجغرافى للأحداث يقع فى مدينة كُردية ، والشخصيات كُردية ، والمأساة كُردية والحُزن الكامن بين ثنايا الكلمات كُردى ، إلا أنى لا أرى فيها إلا المعاناة الحقيقية لهذا الوطن الذى يمتد من المُحيط إلى الخليج ، لا يمكنك أن تقرأ ولا تشعر أن مريم مرت بجوارك يوماً ما ، أنها كانت جارتك فى بيتكم القديم ، تلك التى مزقها الزمان بأنيابه تعيش بيننا ، وربما داخلنا .


تتجلى عبقرية صبرى سليفانى السردية فى الإيحاءات والإسقاطات ، كُل الأحداث تؤدى إلى ما هو أبعد ، هذا الذى بدأ رحلة العبث فى جسد الفتاة ؛ اسمه "الرجل" ، وهو هُنا الشر مُتجسداً فى جسدٍ ممتلئ أصلع ، والرذيلة اسمها "ناجول" وهى زوجة الأب العابثة ، التى تُلقى بمريم بين فكى "الرجل" ، إنه الوطن يا صديقى . وعبر الثلاث رجال الذين تتقاطع حياتهم مع حياة مريم بعد ذالك ، نرى الأوجه الثلاثة للخطيئة ، الجريمة ؛ نفاق الذات ؛ الأصولية . يُعاملها الأول ـ الجندى وتاجر السلاح ـ بعقلية الذكورى المٌتملك ، وترى فى الثانى ـ الشيوعى الذى يُناقض مبادئه ـ مدى سطحية شعاراتك يا وطن ، ويغلق أمامها الثالث أبواب الرحمة .

يضع سليفانى الجنس فى مكانه الطبيعى ؛ كأى شئ . حالة نفسية يُعبر عنها بوضوح دون إسفاف ، فلا يختزلها حتى الإختناق ولا يُظهرها حتى المجون ، وبهذا يكون قد تجاوز الكمين الذى تنصبه الأفكار الشرقية للكُتاب ، فنراه يُعبر عن إغتصاب مريم بشكل واضح ، حتى أن جسدك يغلى من فرط الغضب ، ويصلك الشعور ببشاعة الجريمة كاملاً ، ويُعبر عن موقف الرغبة بين مريم وحبيبها الثانى "الشيوعى" بوضوح ، عندما تُحدثه على الهاتف وهى فى قمة الشبق ، سليفانى أجاد العبور من مضيق الجنس .

وتنتهى الرواية بشكل مفتوح ، تماماً كما هى مصادر الوجع التى لا تٌغلق أبداً ، عندما تصل مريم إلى الرجل الذى تشعر برجولته ، تعرف أنه قد فقد ذكورته يوماً ما بسبب رصاصة طائشة ، وكأن الكاتب يضعك وجهاً لوجه أمام الخط الفاصل بين الرجولة والذكورة ، من بين الرجال الذين مروا عليها لم تعرف رجلاً ، وعندما تعرفه ؛ يبكى وهو يشرح لها كيف لا يمكن أن يتزوجا ، وهنا إشعار بأن يظل الوضع على ما هو عليه .

Sabri Silevani
Iraq- Kurdistan - Duhok
009647504177409
Facebook: Sabri Silevani